تُعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وباكستان إحدى أكثر مناطق العالم الزاخرة ببيئة أعمال مزدهرة ونابضة بالحيوية. ونشهد في كل سوق طفرة رقمية تماشياً مع جهود الحكومات من أجل تشجيع روّاد الأعمال والشركات على الابتكار والمساهمة في تطوير بنيتهم التحتية المالية. كما نشهد تجاوباً واسعاً بين أوساط المستهلكين تجاه منصّات المدفوعات الرقمية والتجارة الإلكترونية وبمعدلات غير مسبوقة.
وتشكّل هذه الموضوعات الرئيسية ركائزاً أساسيةً ضمن النسخة الثانية من دراستنا البحثية السنوية التي تتناول توجّهات المدفوعات والتجارة الإلكترونية عبر المنطقة. وقد شارك في هذا الاستبيان 13 ألف مستهلك، استكمالاً لدراستنا البحثية التي أجريناها العام الماضي، مما مكّننا من رصد التغيرات في سلوك العملاء على أساس سنوي. كما أتاح لنا تزويد الشركات والأعمال برؤى وتحليلات مباشرة وفورية حول هذه التوجهات التي تقع في نطاق اهتماماتهم.
شهدنا خلال عام 2020 إقبال العملاء على منصّات التجارة الرقمية بوتيرة متسارعة، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى حالات الإغلاق والإجراءات الصارمة التي صاحبت جائحة كوفيد-19. وفي عام 2021، تَسارعَ هذا التوجّه، حيث أفاد العملاء أنهم يستخدمون منصّات التجارة الرقمية بشكل أكثر مقارنةً بالعام الماضي للحصول على مجموعة أوسع من المنتجات والخدمات. ويشمل ذلك كافة المستلزمات اليومية، بما في ذلك الوجبات والسلع الغذائية وغير الغذائية (البقالة) والمنتجات المنزلية.
يبدو أن المنطقة ستواصل زخم تحوّلها إلى التجارة الرقمية خلال عام 2022. فقد أظهرت دراستنا البحثية أن 83% من العملاء يخططون لمتابعة أو زيادة نسبة إنفاقهم الحالي على منصّات التجارة الإلكترونية. وفي حال حدوث ذلك، فستظل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان السوق الأسرع نمواً في العالم للتجارة الإلكترونية، وتُقدر قيمتها بأكثر من 49 مليار دولار وفقاً للبيانات الصادرة عن شركة Visa.
يتخلّى المستهلكون عن طرق الدفع التقليدية بوتيرة متزايدة، مثل المدفوعات النقدية عند التسليم والتحويلات المصرفية، في ظل ازدياد اعتمادهم على طرق الدفع الرقمية التي توفر لهم تجربة تسوّق مريحة عبر المنصّات الإلكترونية. وهنا تبرز أهمية تلبية احتياجات المستهلكين ومواكبة سلوكياتهم المتغيرة باستمرار، لتبقى الشركات قادرة على المنافسة وتسجيل نمو في إيراداتها.
عكَسَت البيانات الصادرة عن دراستنا البحثية الواقع الملموس خلال العام الماضي، خاصةً فيما يتعلق بالإقبال المتزايد على خدمة "اشتر الآن وادفع لاحقاً". فقد أصبحت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان لاعباً بارزاً في تقديم هذه الخدمة، بعدما أكد 24% من المستهلكين المشاركين في الدراسة استخدام حلول "اشتر الآن وادفع لاحقاً" خلال العام الماضي. ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى طريقة الدفع التي تسدّ فجوّة عدم الثقة على الأجل الطويل تجاه خدمة "الدفع المُسبق" وتنجح في توفير حل رقمي بديل للدفع النقدي عند الاستلام.
كما يشكّل الإقبال المتزايد على المَحافظ الرقمية توجهاً آخر يستحق الدراسة. فهذه الخدمة تلبّي متطلبات المستهلكين غير القادرين على الوصول إلى الخدمات المصرفية أو فتح حساب مصرفي في المنطقة، مما يساهم بشكل كبير في توسيع نطاق إجمالي حجم السوق المتاح أمام الشركات. ونتوقع نمواً في الطلب على المَحافظ الرقمية المحلية خلال السنوات القادمة بموازاة دور المبادرات التنظيمية الوطنية التي تضفي مزيداً من التنافسية داخل قطاع الخدمات المالية.
لا شك أن الانتشار الواسع في قطاع التجارة الرقمية يوفّر فرص نمو أمام الشركات لإعادة صياغة مفاهيمها حول كيفية جذب العملاء في مختلف الوجهات. على سبيل المثال، يشير المستهلكون في المنطقة إلى أن المنصّات الإلكترونية وغيرها من التطبيقات وقنوات التواصل الاجتماعي تشكل خياراتهم المفضّلة عند التسوّق. وقد أظهرت بيانات دراستنا البحثية أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان تتفوّق على غالبية الدول الآسيوية وبلدان المحيط الهادئ من حيث تفضيلات التجارة الإلكترونية عبر منصّات التواصل الاجتماعي. ولا شك أن توفير خيارات دفع مناسِبة داخل كل قناة أمر في غاية الأهمية للاستفادة من الفرص المتاحة.
نشهد حالياً تطورات مذهلة في منهجية الشركات لإحداث نقلة نوعية في مساحاتها المادية. فنحن نلمس زيادةً في إقبال الشركات على خدمات "انقر واستلم"، سعياً منها لتوفير مستويات أعلى من المرونة والراحة في تجربة تسوّق العملاء عبر الإنترنت.
تُواصِل العلامات التجارية الأخرى جهودها لاعتماد منهجية شاملة قادرة على تلبية احتياجات المستهلكين الذين يتطلعون دائماً إلى تجربة مخصصة ومريحة وخدمة تركز على احتياجاتهم. ونتيجةً لذلك، فإن تجّار التجزئة يتواصلون بشكل متزايد مع عملائهم عبر قنوات مثل WhatsApp، مما يُعد بدايةً لعصر جديد في التجارة الإلكترونية القائمة عبر وسائل التواصل.
في ظل زيادة حجم المدفوعات الرقمية في كافة أنحاء المنطقة، ازدادت عمليات الاحتيال الإلكترونية. وهو ما يدركه المستهلكون جيداً لأنهم يعلمون حجم المخاطر المرتبطة بالتجارة الرقمية وبالتالي يفضّلون طرق الدفع الآمنة عوضاً عن حلول المدفوعات السريعة.
وقد أكد 81% من المستهلكين أنهم يتحققون بانتظام من آليات التشفير الآمن لصفحة وتطبيقات الدفع قبل إدخال تفاصيل الدفع وإنجاز عملية الشراء، في حين أبدى 28% من المستهلكين أنهم يتحققون من كل عملية شراء قبل تنفيذها.
وعلى صعيد آخر، شهدنا خلال عام 2021 ارتفاعاً في معدل حالات الرفض الكاذبة المذكورة في استبيان عام 2020. ففي العام الماضي، أشار 20% من المستهلكين في المنطقة أنهم شهدوا حالة رفض كاذبة على الأقل خلال الـ 12 شهراً الماضية. أما في العام الحالي، فقد ارتفع المعدل إلى 22%.
وكلا العاملين يسلطان الضوء على تلك الشركات التي تركّز على تحسين منظومة مدفوعاتها لتحقيق التوازن المثالي بين الأمان والأداء، مما يضعها أمام فرصة رائعة لاكتساب ثقة العملاء وبالتالي ترسيخ مقوماتها التنافسية.
أظهرت البيانات أن نمو المدفوعات الرقمية والتجارة الإلكترونية ساهم بشكل كبير في توفير أنشطة وأعمال جديدة عابرة للحدود. كما ساهم في تعزيز مستويات التدفقات المالية الخاصة بالمستهلكين إقليمياً ودولياً، أكثر من ذي قبل.
تؤمن السلطات والجهات التنفيذية بالإمكانات الكبيرة التي تقدّمها المدفوعات الرقمية وبدورها في مساعدة الحكومات المحلية في تطوير سلاسل القيمة الدولية. وفي الوقت ذاته، استشهد المستهلكون بأجندة الأحداث والفعاليات الكبرى القادمة في المنطقة، مثل معرض إكسبو الدولي وكأس العالم لكرة القدم، وتأثيرها في بناء روابط اقتصادية جديدة ومستدامة بين المنطقة وجميع أنحاء العالم.
ينفق المستهلكون كثيراً على العلامات التجارية التي تقع خارج أسواقهم المحلية. فقد أشار 33% من المشاركين في الدراسة البحثية أنهم يتسوّقون المنتجات أو الخدمات غير المتاحة في بلدانهم، وهو ما يُعد السبب الأول الذي يدفعهم نحو التسوّق عبر الإنترنت. وهذا التوجّه يوفر فرصة هائلة للتجّار نحو توسيع نطاق حضورهم والتوغل في أسواق استهلاكية جديدة.
ولكن هذا لن يتحقق إلا إذا تغلّب التجار على الصعوبات داخل قطاع المدفوعات في المنطقة. ولعل أفضل وأسرع الطرق لإحراز النجاح هي عبر التعاون مع شريك مناسب قادر على تخطّي التحديات والتعقيدات التي تتسبّب في تعثّر الشركات بينما تمضي نحو تعزيز نموّها.